التحليل الجمالي والتركيبي للخطب العربية

الخطابة هي فن ايصال خبر أو فكرة ما لمجموعة من السامعين على نحو مقنع ومؤثر، وهكذا نجد أن الإقناع والتأثير هما غاية الخطابة ومحورها الرئيسي.
وللخطابة غاية ذات شأن كبير وهي إرشاد الناس إلى الحقائق وحملهم على ما ينفعهم في العاجل والآجل والخطابة معدودة من وسائل السيادة والزعامة ، وكانوا يعدونها شرطاً للإمارة فهي تكمل الإنسان وترفعه إلى ذرى المجد والشرف.
لذلك يترتب على الخطيب أن يكون ملماً بكب صنف من المعارف بل ينبغي عليه أن يعمل كل يوم على توسيع نطاق معارفه ومداركه ، فكل مسألة عامة أو لها صلة بالعامة يصح أن تكون موضوعاً خطابياً.
تعتبر الخطابة الدعامة التي قامت عليها الثورات العظيمة والانقلابات الكبيرة التي نقضت الظلم والباطل.حيث أنها تثير حمية الجيش وترفع قواه المعنوية لذلك نجد القادة الكبار في التاريخ كانوا خطباء مثل "على بن أبي طالب وخالد بن الوليد ، وطارق بن زياد.
وللتمكن منها والإمساك بتلابيبها ينبغي الإطلاع على كثيرمن العلوم التي تتصل بالجماعات، فهذا يزيد الرصيد العلمي والمعرفي ويوسع الفكر وينميه ويوسع المدارك وينير الطريق.
الخطابة فن من فنون الأدب يرمي فيه الكلام ٳلى الٳقناع٬ ومن ثم فهي موجهة قبل كل شيء ٳلى عقل السامع لتبثه الحقيقة وتستميله بها٬ ومن ثم فللفكرة في الخطابة المحل الأول وكل ما سواها مواكب لها٬ عامل على تقويمها وترسيخها٬ ومن ثم فكل خطابة تقوم على السفسطة٬ وعلى مجرد المقدرة الكلامية والبيانية٬ وعلى المظاهر الخارجية دون سواها٬ فهي خطابة زائفة. فليس الخطابة مجرد وسيلة للوصول ٳلى منفعة ما٬ بل هي جدل وتحليل نفسي وتعريف وتقسيم وما ٳلى ذلك في سبيل حقيقة يقتنع بها السامع ثم يعمل على تحقيقها والسير بموجبها .
ٳضافة ٳلى ذلك فالخطابة هي الكلام المنثور الذي يعمل من خلاله الخطيب على مخاطبة جمعاً من الناس لإقناعهم وبث الٳذعان في نفوسهم، والخطيب هو من يقوم بالخطابة سواء بالحديث عن رؤيته أو عن رؤى قوم يمثلهم لما ﻴﺗﻬﻴﺄ لديه من جو وما يتوفر عليه من فصاحة، لذلك فالخطابة هي الكلام المؤلف الذي يتضمن وعظاً وإبلاغاً على صفة مخصوصة. بمعنى أن الخطابة فن مشافهة الجمهور للتأثير عليهم أو إستمالتهم . حيث أن هناك ثلاثة أشياء مهمة في الخطاب : من يلقيه ؟ وكيف يلقيه ؟ وما الذي يقوله ؟
كما أن الخطابة"فن أدبي عماده اللسان و غايته الٳقناع والاستمالة .والخطيب الماهر من عرف كيف يحقق هذا الهدف . فهو :
ﺃ- يعتمد الوسائل المختلفة لٳقناع السامعين بصواب قضية أو بخطأ أخرى٬ مستعينا على ذالك بالأدلة و البراهين ٬وبما تشمل عليه خطبته من صدق النظرة ٳلى المشكلة٬ وصحة تعليلها وتحليلها ٬ وتبيان أجزائها المختلفة والعوامل المتصلة بها.
ﺐ- يحرك العواطف ويوجهها٬ بحيث يستطيع أن يهدىء نقمة أو يثيرها٬ ولذا يعنى بٳبراز ما في نفسه من معان وقوى٬ على النحو الذي يمكنه من تحويل هذه الأفكار الجامدة ٳلى مشاعر حية ينفعل بها السامع ويتجاوب مع الخطيب فيندفع بتأثيرها ٳلى تحقيق ما يطلب منه.
ﺝ- وهذا التأثير لا يتوفر ٳلا ببلوغ موضع القبول من أفهام السامعين٬ وموضع الاهتمام من عقولهم وقلوبهم ومخيلاتهم. وسبيل ذلك :رباطة الجاش وحضور الذهن٬ قوة الأسلوب وبلاغته٬ جودة الٳلقاء ونبرات الصوت٬ دقة الٳشارة وأمارات الوجه وما فيها من تعبير صامت يعزز مدلول الكلام٬ مع مراعاة الحال التي يقتضيها مستوى السامع وٳدراكه ومقامه" .
وفي القران الكريم هناك الايات التي تضمنت كلمة خطاب٬ وتوحي بشكل ضمني صريح وواضح بالدعوة الى اتقان الخطابة مثل قوله تعالى : " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب" (سورة ص ،آيه 19).
2- تجليات تطورالخطابة في العصر الٳسلامي :
لقد أحدث الٳسلام تغيرا جدريا في حياة العرب بمختلف تجلياتها وحيثياتها٬ ومن ثم كان من الطبعي أن يطال هذا التغير الخطابة أيضا ويطبعها بطابع من صميم الطبيعة الجديدة وفي ظل هذا التغير"ازدهر فن الخطابة بفعل عوامل كثيرة منها :
1- أن النبي قد سعى ٳلى الاتصال بأكبر عدد ممكن من الناس ليعرفهم على دينه ويدعوهم ٳلى اعتناقه .
2- أن تعقد الحياة العربية يوما بعد يوم واتجاه العرب نحو التنظيم والخروج من البدائية والفوضى ٳلى حياة قوية٬ قد فتح باب الخطابة على مصراعيه لٳبلاغ الناس ما ينبغي عمله" .
3- الخطب التي تلقى في أوساط الناس لاعتناق الٳسلام٬ مع شرح مضامينه لهم٬ ساهمت بدورها في تطور الخطابة وٳبرازها٬ حيث يمكن ذلك الدعاة ٳلى التمكن من سلطة اللغة والقول .
4- كما"أن الٳسلام قد فرض على معتنقيه الخطابة فرضا٬ بحيث لاتقوم صلاة الجمعة ما لم يخطب فيها خطبتان أولى طويلة وثانية قصيرة٬ والذي يلاحظ أن هذه الخطب لم تقتصر على الوعظ الديني٬ بل كانت تتناول أيضا شؤونا جماعية أخرى٬ كأنما الغاية منها لم تكن محض دينية وٳنما كانت اجتماعية وسياسية كذلك .
5- أن الدين الجديد ضمن للفرد حرية القول٬ والرأي٬ والتفكير فكان ذلك باعث من بواعث الخطابة .
6- أن العصر كان عصر فتوح وغزو٬ فاعتمد على اللسان كما اعتمد على السلاح والسيف٬ وسيقت الخطب في الدعوة ٳلى الجهاد وتحميس الجند٬ والتهنئة بالنصر٬ ورثاء الشهداء" .

3- موضوع الخطابة ومميزاتها في العصر الٳسلامي:
"مما تقدم يتضح أن موضوعات الخطابة في هذا العصر كانت: ٳما دينية تدور حول الدعوة ٳلى الٳسلام٬ ونبذ الشرك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وٳما سياسية تعالج المشكلات٬ وترسم خطة أولي الأمر في سياسة الرعية .
وٳما حربية تدور حول القتال٬ وما يتبعه من ٳثارة الحمية٬ وتهنئة الجيش الفاتح والاعتداد بالنصر .
وٳما اجتماعية تتناول ما يتصل بشؤون هذه الجماعة٬ وتعالج معضلاتها. وخطابة النبي والخلفاء الراشدين لم تكن في مقوماتها استمرارا للخطابة الجاهلية٬ فقد طرﺃ عليها تطورات جديدة وداخلتها مفاهيم جديدة :
1- اتضحت فيها وحدة الموضوع٬ ولم تعد تحتشد فيها لمناسبة وغير مناسبة .
2- ازداد ترابط أجزائها وٳحكام نسيجها .
3- تأثرت بالحياة الٳسلامية فلانت أساليبها٬ وتجنبت السجع المتكلف وجاءت ألفاظها عذبة في قوة .
4- كان أكثر معانيها من نبع الدين الجديد ومبادئه .
5- حاول فيها الخطباء تأثر القران ومحاكاته كما حاولوا الاقتباس منه٬ والاستشهاد في غير ٳسراف – بالشعر والأمثال" .
4- التعريف بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :
هو أبو الحسن علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب واسمه شيبة بن هشام واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي والغالب عليه من الكنية أبو الحسن٬ وكان ابنه الحسن يدعوه في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله أبا الحسين ويدعوه الحسين أبا الحسن٬ ويدعوان رسول الله صلى الله عليه وآله أباهما فلما توفي النبي صلى الله عليه وآله دعواه بأبيهما٬ وكناه رسول الله صلى الله عليه وآله أبا تراب٬ قالوا وجده نائما في تراب وقد سقط عنه رداؤه٬ وأصاب جسده الشريف التراب فجاء حتى جلس عند رأسه وأيقظه٬ وجلس يمسح التراب عن ظهره ويقول له اجلس ٳنما أنت أبو تراب فكانت من أحب كناه عليه السلام .
وهو ابن عم النبي ولد سنة 600م وكان أسبق الناس ٳلى الٳسلام بعد خديجة وأول من صلى مع النبي من الرجال٬ وقد نشأ بجانبه٬ قبل أن يعلن دعوته٬ ٳذ كفله عن أبيه أبي طالب٬ وقام على تنشئته وتربيته. وحين هاجر استخلفه على ما كان عنده من ودائع حتى ردها ٳلى أصحابها٬ وأمره فنام في مضجعه ليلة هم القرشيون أن يغدروا به٬ ثم لحق بالنبي في المدينة حيث تزوج ابنته فاطمة٬ ولبث مقيما ٳلى جنب النبي٬ يجاهد تحت راية الٳسلام٬ حتى قيل أن النبي أثره ٳيثارا ظاهرا٬ حين قال له : "أنت مني بمنزلة هارون من موسى لكن لا نبي بعدي". وقال في طريقه ٳلى حجة الوداع : "من كنت مولاه فعلي مولاه٬ اللهم وال من ولاه٬ وعاد من عاداه"¹.
ولد"الٳمام علي بن أبي طالب٬ كرم الله وجهه٬ في مكة٬ وهو قرشي الأبوين .نشأ ٳلى جنب الرسول ينهل من بلاغته ويتجمل بأجمل الأخلاق حتى كان مثالا للتقوى والشجاعة٬ وقد شهد الغزوات كلها ٳلا غزوة تبوك٬ وكان وفيا لابن عمه أشد الوفاء٬ مخلصا في خدمته أشد الٳخلاص٬ منتصرا لدينه يذود عنه بقلبه ولسانه كما يدافع عنه بذراعه وسنانه حتى لقب بسيف الٳسلام . وقد تزوج كما سبق الدكر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له الحسن والحسين .
ولما توفي الرسول بويع أبو بكر بالخلافة ثم بويع عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان . وكان الٳمام علي للجميع ظهيرا ومشيرا . ولما قتل عثمان انتقلت الخلافة ٳلى الٳمام علي سنة 35ﮪ . وقد امتنع بنو أمية عن مبايعته وراح معاوية٬ والي الشام٬ يدس الدسائس ويوغر الصدور٬ وقد بعث ٳلى الزبير بن العوام يبايعه عن نفسه وعن أهل الشام٬ ويبايع طلحة بن عبيد الله من بعده٬ ويدعوهما ٳلى المطالبة بدم عثمان٬ فرجعا عن علي وانضمت عائشة أم المؤمنين ٳلى صفوف بني أمية٬ ودعت ٳلى المطالبة بدم عثمان٬ فرجع ندائها بنو أمية في الحجاز٬ وانضم ٳليهما طلحة والزبير٬ وساروا جميعا ٳلى البصرة يبعثون فيها الفتنة فاستولوا عليها .
وبلغ عليا خبر عائشة والأمويين وأنصارهم فجيش جيشا وقصد البصرة٬ فخرج من فيها للقتال٬ فالتقى الفريقان في موضع يدعى"الخريبة"٬وكانت عائشة على جملها تحرض الرجال على الثبات والٳقدام٬ فاقتتل الجيشان وكان النصر لعلي وأصحابه٬ فدخلوا البصرة ثم نزلوا الكوفة٬ وكتب الٳمام علي ٳلى معاوية يخبره بما انتهت ٳليه"موقعة الجمل"ويدعوه ٳلى مبايعته٬ فأبى وجيش من أهل الشام جيشا لمحاربة الٳمام٬ فسار ٳليهم علي بجيش جرار٬ فالتقى الفريقان في سهول صفين٬ على ضفة الفرات اليمنى٬ وكاد النصر يكون بجانب الٳمام علي٬ ٳلا أن معاوية عمد ٳلى الحيلة بمشورة عمرو بن العاص٬ فأمر برفع المصاحف على الرماح٬ فرفع الشاميون نحوا من خمس مئة مصحف٬ ونادوا"كتاب الله بيننا وبينكم". فقال كثير من أهل العراق : نجيب ٳلى كتاب الله ونتوب ٳليه .
ولكن علي لم تفته خديعة معاوية وابن العاص فحاول أن يقنع قومه بعدم الانقياد للظواهر فلم يقتنعوا٬ وهددوه بالقتل٬ فاعتصم بالصمت كارها٬ وتم الاتفاق على ٳقامة حكمين يفصلان في الأمر بين علي ومعاوية٬ فكانت النتيجة أن أسقط الٳمام ولم يسقط معاوية. فدب الاضطراب في جيش علي٬ وهبت فيه عاصفة استياء٬ فعاد علي ٳلى الكوفة يستعد لحرب عدوه٬ ولكن عددا كبيرا من أتباعه خرج عنه وجاهر بالعصيان مكفرا عليا لقبوله بالتحكيم ومعاوية لتصرفه الأعوج .
وهكذا كان حزب الخوارج. وقد اجتمع قوم من الخوارج بمكة وتعاهد تلاثة منهم على قتل علي ومعاوية وابن العاص في يوم واحد٬ فقتل عبد الرحمان بن ملجم عليا وهو في مسجد الكوفة يريد الصلاة . وذلك سنة 40ﮪ وقد نجا معاوية وعمرو بن العاص . وهكذا ختمت حياة رجل أقل ما يقال فيه أنه كان مثال الشرف والٳباء والتقوى .

5- بلاغة الٳمام علي في خطبه :
لقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه بليغا في خطبه٬ فصيحا في ألفاظه٬ بارعا في استمالة الناس٬ متمكنا من أساليب الحجاج٬ فطنا بأمور الناس٬ ورعا في أحكامه٬ متفقها في الدين٬ قادرا على الٳقناع وتبيان الحقيقة بالكلمة الفصيحة والعبارة الصحيحة .
حتى قيل في كلامه أنه""دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق". والحق يقال أن الٳمام من أبلغ الناس خطابة٬ وهذه البلاغة ترافقه في جميع مواقفه حتى الارتجالية منها . وهو سريع البديهة ٳلى حد بعيد لا تقف في وجهه شدة٬ ولا يعجزه مأزق حرج .
والٳمام لايوسل ٳلى الٳقناع بوسائل الصناعة٬ بل بوسائل الطبيعة الغنية٬ فبلاغته هي نتيجة عقل نير بعيد الأغوار٬ وثقافة دينية استقاها في صحبته للنبي٬ ومنطق سديد رافق الفطرة٬ ولسان درب تمرس على أساليب القران٬ وعاطفة حارة غذتها العقيدة الٳيمانية٬ والاستقامة الفطرية٬ وفكر ثاقب غذاه التامل ونماه النظر الطويل ٳلى الله وعجائب مخلوقاته٬ وخيال هو خيال الأديب اللامع الذي يخرج الأفكار٬ مهما كانت عميقة٬ في روعة من الرونق والجمال" .
وعلى ٳثر هذا وفي ظل ما هو أعمق من رونق وبراعة تكتسي خطبه فقد"امتازت خطابة علي بن أبي طالب بصراحة المعنى وبلاغة الأداء وسلامة الذوق . وقد علق الشريف الرضي على ٳحدى خطب علي الدينية فقال :"لو كان كلام يأخذ بالأعناق ٳلى الزهد في الدنيا٬ ويضطر ٳلى عمل الآخرة٬ لكان هذا الكلام٬ وكفى به لعلائق الأمال٬ وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار" .



6- خطبة الإمام علي المتجلية في"التحريض على القتال":
1- 6- نص الخطبة :
خطب الٳمام علي كرم الله وجهه أصحابه٬ متوكئا على قوسه٬ وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله عنده فهم يلونه – كأنه أحب أن يعلم الناس أن الصحابة متوافرون معه – فحمد الله وأثنى عليه٬ وقال :
"أما بعد : فٳن الخيلاء من التجبر٬ وٳن النخوة من التكبر٬ وٳن الشيطان عدو حاضر٬ يعدكم الباطل . ٳلا أن المسلم أخو المسلم٬ فلا تنابذوا٬ ولا تخاذلوا٬ ٳلا أن شرائع الدين واحدة٬ وسبله قاصدة٬ من أخذ بها لحق٬ ومن فارقها محق٬ ومن تركها مرق٬ ليس المسلم بالخائن ٳذا اؤتمن٬ ولا بالمخلف ٳذا وعد٬ ولا بالكذاب ٳذا نطق٬ نحن أهل بيت الرحمة٬ وقولنا الصدق٬ وفعلنا الفضل٬ ومنا خاتم النبيين٬ وفينا قادة الٳسلام٬ وفينا حملة الكتاب٬ ٳلا أنا ندعوكم ٳلى الله٬ وٳلى رسوله٬ وٳلى جهاد عدوه٬ والشدة في أمره٬ وابتغاء مرضاته٬ وأقام الصلاة٬ وٳيتاء الزكاة٬ وحج البيت٬ وصيام شهر رمضان٬ وتوفير الفيء على أهله . ٳلا أن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي٬ وعمرو بن العاص السهمي٬ أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما٬ ولقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وآله قط٬ ولم أعصه في أمر٬ أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال وترعد فيها الفرائص٬ بنجدة أكرمني الله سبحانه بها وله الحمد٬ ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله٬ وٳن رأسه لفي حجري٬ ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة المقربون معي٬ وايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها٬ ٳلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ٳلا ما شاء الله" .


2- 6- مضمون الخطبة:
هذه الخطبة تندرج في إطار التحريض على القتال من قبل الإمام علي بن أبي طالب.
فبعد حمد الله والثناء عليه٬ تم توظيف مجموعة من التوضيحات ذات البعد الأخلاقي٬ كما أن الإمام أدرج كلمة الأخوة نظرا لما تكتسيه هذه الكلمة في الإسلام وما تتضمنه من اهتمام٬ ونهى عن التنابذ والتخاذل مذكرا بوحدة شرائع الدين٬ ثم عمل على نفي الخيانة عن المسلم في إطار الائتمان٬ ونفي الإخلاف في الوعد٬ ونفي الكذب في كلامه٬ هذا تذكير من قبله وتجليا لما ينبغي أن يتصف به المسلم . وبعد هذا انتقل إلى الحديث عن أهل البيت والتعريف بأخلاقهم ٬ و تبيين مبادئهم . ليدخل في إطار الموضوع ٬ ألا وهو الحديث عن تجاوز معاوية وابن العاص في تحريضهما للناس٬ مبرزا مدى إخلاصه للرسول صلى الله عليه وسلم. هذا كله و لما يكتسيه من طابع التأثير٬ و ما يتضمنه من أساليب الإقناع٬ وما يكتنفه من جمالية وبراعة٬ يندرج في التحريض على القتال٬ والدفاع عن كرسي الخلافة٬ وبالتالي مواجهة العدو المتمثل في معاوية وابن العاص.

3- 6- تحليل الخطبة تحليل الجمالي والتركيبي :
1- 3- 6- مستوى التحليل الجمالي :
لقد وظف علي مجموعة من الأساليب الٳيحائية ذات النمط الجمالي٬ المتضمنة للبنى البلاغية حيث نجد مثلا توظيف السجع والمندرج في : "ٳن الخيلاء من التجبر ٬ وإن النخوة من التكبر"٬ "إن شرائع الدين واحدة ٬ وسبله قاصدة"٬ "من أخدها لحق ٬ ومن فارقها محق" ٬ "إقام الصلاة ٬ وإيتاء الزكاة"٬ فهنا تم إدراج السجع المتقارب المتتالي٬ المحقق لجمالية النص وبلاغة معناه٬ كما تم إدراج السجع المتباعد من حيث الفواصل ٬ والمتداخل من حيث الصياغة٬ المتناسق من حيث جمالية الصور٬ ويتبدى ذلك في : "ومن تركها مرق...٬ ولا بالكذاب إذا نطق"٬ هذا أيضا له جرس موسيقي٬ وجمالية تقوي من نسقية النص وتناسبه.
وسواء تعلق الأمر بهذا أو ذاك٬ فكليهما يساهم بدوره في إغناء النص بالصور البلاغية٬ وتضمينه روح الخطاب في مستوياته.وهذا كما هو متبد في الأساليب الإيثيقية يجعل مستوى الخطاب قويا من حيث التأثير والإقناع ٬والإيحاء بمدى مصداقية الخطيب٬ خصوصا وأنه يتجسد في نطاق التحريض على القتال.
إن نص الخطبة غني بما يحفل به من وضوح وسهولة ٬ورونق وإيثيقية٬ وتناسب العبارات وقصرها٬ ودقة الكلمات وإيحائيتها٬ وعذوبة الألفاظ وفصاحتها٬ وبلاغة المعاني وجودتها ٬هذا بالإضافة إلى ما يشتمل عليه من تصوير٬ وبراعة التفسير في مثل : "وفينا قادة الإسلام٬ وفينا حملة الكتاب... " ودقة التقديرفي مثل : "ليس المسلم بالخائن اذا اؤتمن ٬ ولا بالمخلف اذا وعد ٬ ولا بالكذاب اذا نطق.." وسلاسة الأفكار٬ وعدم المبالغة في الأخبار وحسن الاختيار. ثم تناسب العبارات وتكاملها ومدى تحقيق انسجاميتها في مثل : " وإلى جهاد عدوه ٬ والشدة في أمره..." . هكذا فقد لعبت براعة الأسلوب وجماليته دورها في خطبة الٳمام في التحريض على القتال والتأثير في الأذهان والحث على الإذعان .

2- 3- 6- مستوى التحليل التركيبي :
تحمل هذه الخطبة بين طياتها مجموعة من المقولات الجملية ذات النسق التعبيري الٳيحائي المفعم بالتراكيب والصيغ النحوية٬ فهي تتكون من عدة حروف تجانست فيما بينها وتآلفت في شكل كلمات٬ أخذت بنيتها الجملية بفعل النظم التأليفي وعلى أساس النحو التقعيدي.
فكل الحروف والكلمات والأصوات لها مقصديتها تكمن في التأليف بين عناصرها٬ وهذا ما جعل العبارات ذات حوسبة على المستوى الدلالي٬ والصرفي٬ والتركيبي النحوي٬ وعلى إثر هذا انسجم موضوع الخطبة وأخذ سحره وبيانه .
فقد عرفت الخطبة من حيث التركيب أيضا كثرة الأصوات الموسيقية٬ وكثرة تكرار الكلمات٬ ومغزى ذلك تناسق التركيب بينها مثل"المسلم ... " وتناسب الجمل وتراتبها٬ وتوظيف الإيقاع التبايني بين الجمل. هذا التناسق والتراتب التركيبي يضفي على الخطبة طابع المصداقية والقبولية٬ ويجعلها مستساغة في الأذهان سهلة المنال مفعلة من التحريض على القتال.

خاتمة:
قد امتازت الخطابة بأهمية كبرى منذ بدء الخليقة لأنها موجهة إلى جماعة من الناس. وقد استعملها كل الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله تعالى وسلامه. فالكلمة المسموعة أقوى أثراً من الكلمة المقروءة، لأنها تنبض بالحياة والانفعال وتعبّر عن أحاسيس في قلب الخطيب ، وهنا يظهر أثر بعض الخطباء عن البعض الآخر.

لائحة المصادر والمراجع:
1- أحمد زكي صفوت ٬ جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة ٬ الجزء الأول ٬ المكتبة العلمية بيروت- لبنان ٬ د.ط ٬ د.ت .
2- جوزيف الهاشم وأحمد أبو حاقة وأحمد أبو سعد وٳليا البيجاوي ٬ المفيد في الأدب العربي٬منشورات المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ٬ الطبعة الأولى ٬ السنة 1964.
3- حنا الفاخوري٬ الجديد في الأدب العربي وتاريخه٬منشورات مكتبة المدرسة –
بيروت٬الطبعة الثانية ٬ 1957.
4- علي آل ابراهيم ٬ في رحاب نهج البلاغة ٬ دار العلم للملايين ٬ الطبعة الأولى ٬
يناير 1982.