أكلة حمام عدت والسلام

جالت ذكراه بخاطري عندما سألني أحد الرفاق عن الفرق بين الحمام واليمام؛ ولا يحلو ذكر الحمام إلا بذكر أطايب ولذيذ طعمه وفخامته على المائدة ليخلب أنظار الجالسين إليه، لكني للأسف الشديد لست ضمن هؤلاء الذين يسمحون لنفسهم بإطلاق العنان للتلذذ بما للحمام مما له؛ لا لأني -لا سمح الله- متزهد ناسك أنكر على نفسي وأهلي ملذات العيش، ولا لأني من أولئك الذين لا يقدّرون قيمة الفن ومنه فن الأكل؛ بل أنا من أشدهم إعجاباً به.

وطالما كانت لي لمسات رائعة تضيف إلى المائدة زهوة خاصة وعمقاً طعومياً ذا بعد، وطالما كانت تتراود إليّ الأسئلة حول محاربة النحافة، وكنت أشير دائماً بأن الأمر لا يتعلق بنوع الطعام ولا كميته بالدرجة الأولى؛ بل هي مسألة ارتباط واعتقاد لا أكثر ولا أقل؛ فإذا تحوّل الطعام لديك إلى متعة من متع الحياة التي تستمع بها وتتأمل في تفصيلاتها الفنية لتعيشها طبقاً طبقاً، وتحفة فنية تلو الأخرى، وتتذوق هذه وتلك لتضع النقد هنا وتثني هناك وتستزيد امتداحاً على ثالث؛ ساعتها سوف تقضي على النحافة.

المهم أن لا شيء يحول دون أن أستمتع بالحمام العزيز على كافة أشكاله المطهوة المعروفة وغير المعروفة؛ إلا هذا الحدث الذي كلما لاح بخاطري أضحك منه ملء فمي، وأقول لنفسي: هو غباء ولا استذكاء؟

لن أطيل عليك عزيزي القارئ بل سأدعك تعايش معي هذا الحدث المشهود:

كان يوم امتحان القبول للسنة التمهيدية للماجستير بكلية الآداب بقسم اللغة العربية، وكنت ضمن المتقدمين، وكان الامتحان ينقسم إلى شق تحريري وشق شفهي بعده بيومين؛ بدأ الامتحان التحريري بعدة أسئلة تختبر ثقافتك حول اللغة والأدب، وكان من بينها سؤال يطلب التعليق على بيت للمتنبي من منظور منهجه الفني وفلسفته وفهمي لشعره، ويقول البيت:

إلف هذا الهواء أوقع في النفس بأن الحِمَام مر المذاق

ولاحظ معي أن كلمة (الحِمام) هنا مكسورة الحاء وتعني الموت، ولا يخفى عليك أن المعنى يتحول من النقيض إلى النقيض إذا ما جعلنا الفتحة فوق الحاء لتكون (الحَمام) ذلك الطائر الشهي.

وما إن رأيت الكلمة حتى بدأت في الكتابة متذاكياً بأن المتنبي يصف واقعه عندما كان بمصر بعيداً عن بلاده بسبب وشاية الوشاة، وأنه برغم ما يلذ به من رغد في العيش وأكل لذيذ الطيور وهي الحمام؛ إلا أنه عندما مرت به نسمة تهب من تلقاء وطنه حتى تكدّر صفوه وتعكّرت نفسه وتحول الأمر إلى المستوى الحسي ليشعر أن طعم الحَمام –بفتح الحاء- أصبح مُرًّا.

وطبعاً المعنى على خلافه تماماً؛ إذ يذكر المتنبي فلسفته في الموت ومرارته التي لا يشعر بها إلا من وقعت له أو شهدها.

أنهينا الامتحان وأنا مبسوط وواثق من إجاباتي ومن إبداعي في وصف الحمام الذي أحبه وأفضله على غيره.

لكن كل ذلك تبدد في اليوم التالي عندما اتصل بي أحد أصدقائي من المعيدين في القسم ليقول لي: يخرب بيتك الدكتور عاطف عاوز يسقطك، ده كلام تكتبه؟ حمام إيه اللي بتتكلم عليه، بقى (حِمام) تخليها (حَمام).

ساعتها فقط شعرت بأني أغبى إنسان على وجه الأرض، وبالتعاطف مع كل من كنت أهزؤ بهم من زملائنا التنابلة. ولا شك أن هذا أقل شيء يفعله الدكتور عاطف؛ خاصة وهو من الأساتذة المعمّرين الذين يربو عمرهم على السبعين والذين شهدوا عصر النابهة والنابغين من هذا الوطن، (يقوم ييجي عيّل من بتوع أول امبارح يخلي فلسفة المتنبي كلها حمام محشي!!)

فاستكمل زميلي: لكن لم يخفف من حدته إلا أننا أخبرناه أنك من أوائل الدفعة، وأنك من المجتهدين، وأنه تم تصحيح الأوراق، وأنك الأول على المتقدمين لهذا الامتحان؛ فهدأ قليلاً؛ على شرط أن يرى بنفسه هذا الولد في الامتحان الشفهي ويختبره.

وطبعاً لا أخفيكم سراً أن أنا حالتي كانت منيّلة بنيلة في الامتحان الشفهي والدكتور عاطف قاعد يسأل ومستني لي على غلطة، وينظر إليّ وأنا أجيب على أسئلته من تحت نظارته وكأنه يريد اكتشاف موطن الغباء الكامن في هذا الشخص.

والحمد لله مرّ الأمر بسلام؛ لكن الدكتور لم يشف غليله إلا تلميحات خفيّة بأن هناك طلاباً متخلفين في هذا القسم وهذا المجال، ومنهم طالب حوّل فلسفة المتنبي في الموت والحِمام إلى أكلة رز وحَمام على النيل.

بس متنكريش طعمه حلو ولا لا هههههههههههههههههههههههههههههه بس موقف جامد بس موضوعك منقول لانك قسم اجتماع

تسلمي ع التوبيك

وتم نقله للقسم الصحيح

واتمنى الالتزام بوضع التوبيك ف المكان الصحيح Very Happy

ثااااااااانكس لمجهوووودكـ

هو فى احلى من الحمام وخصوصا لو ... ياه ده انا جعت
شكرا لمرورك والموضوع فعلا مش بتاعى . وأسفه انى مكتبتش ده.

شكرا ليكى بس بجد انا مش ببقى عارفه احطه فى اى قسم . بس هحاول اختار المكان الصح المره الجايه ان شاء الله .

» طريقة عمل أي أكلة
» رومانسيته عليه الصلاة والسلام
» سجل حضورك اليوم بالصلاة والسلام على سيدنا محمد
» الترتيب الهجائي والزمني للأنبياء عليهم الصلاة والسلام..
» سجل دخولك بالصلاة والسلام على النبى العدنان صلى الله عليه وسلم